ظهر في بعض الصحف تقرير عن دراسة حديثة كان أحد استنتاجاتها أن المدخنين أكثر عرضة لجلطة الشرايين التاجية، ولكن إذا حدث هذا فإن المدخنين أقل عرضة للوفاة بسبب مثل هذه الجلطة. في ظاهره هذا خبر مفرح للمدخنين ولكنه كقولنا " ويل للمصلين " بدون اكمال الآية. ففي الحقيقة أن الدراسة بينت أن المدخنين أقل عرضة للوفاة عند حدوث الجلطة التاجية من غير المدخنين إلى هنا "ويل للمصلين " ، ولكن إذا بحثنا في تفاصيل هذه الدراسة عن سبب قلة الوفيات عند حدوث الجلطة عند المدخنين نجد بقية الآية الذين هم عن صلاتهم ساهون فقد اتضح من الدراسة أن التدخين يسبب الجلطة في عمر مبكر فالمدخنون يصابون بالجلطة التاجية في الثلاثينات والأربعينات مقارنة بغير المدخنين الذين إذا اصيبوا بالجلطة فقد تكون في الستينات أو ربما حتى السبعينات، وحيث إن العمر الصغير هو أحد أهم الأسباب في الحماية من الوفاة من الجلطة التاجية فيكون النتيجة أن المدخنين أقل عرضة للوفاة بالجلطة، إذ تصيبهم الجلطة في ربيع العمر بينما تصيب غيرهم في خريف العمر ، وهذا يتماشى مع خبرتنا في قسم القلب فقد وجدنا في أحد الدراسات أن المدخنين الذين اصيبوا بالجلطة التاجية، كانوا أصغر بعشر سنوات أو أكثر من غير المدخنين .
وعلينا تذكر حقيقتين هامتين :
أولهما : إن الاصابة بالجلطة في عمر مبكر هي من البوادر الخطرة لأن المدخن عليه أن يعيش بقية عمره بآثار الجلطة وإن أفلت من الوفاة بالجلطة الأولى .
ثانيا : إن هناك دراسات عديدة تبين أنه ليس في كل مرة تسلم الجرة ، فالمدخنون الذين يصرون على التدخين بعد حدوث الجلطة الأولى يعرضون أنفسهم للوفاة بالجلطة الثانية، فقد أوضحت الدراسات أن هؤلاء عرضة للوفاة أكثر من غير المدخنين أو من أولئك الذين يقلعون عن التدخين وفي هذا عبرة هامة وتشجيع للمدخنين للاقلاع عن التدخين .
ولكن قد يتساءل البعض كيف يؤثر التدخين على القلب؟ قد يبدو تأثير التدخين على الرئة أمر يسير الفهم حيث إن الدخان يدخل الرئة ولكن كيف يؤثر التدخين على القلب وهو بمعزل عن مسالك الهواء والتنفس ؟
يجب أن تعرف أن الدخان المنبعث من السجاير يحمل عشرات المركبات السامة، وهي وإن كانت بكميات صغيرة في كل سيجارة إلا أن لها القدرة على التراكم شيئاً فشيئاً . ولكن كيف تصل للقلب والشرايين؟ هذه المواد هي غازية عندما تكون ساخنة حال انبعاثها من السيجارة ولكن عندما تبرد تصبح مذابة في مادة القطران ولذلك تمتصها الشعيرات الدموية التي توجد بالملايين في الرئة، فتصل بعد الامتصاص إلى كل خلايا الجسم وتؤدي إلى تغيرات لاحد لها. ففي دراسة أجراها د.حجر رئيس قسم أمراض وجراحة القلب ، تبين أن التدخين يؤدي إلى ارتفاع حاد في عدد نبضات القلب، وفي الضغط الشرياني كما أنه يؤدي إلى هبوط في مستوى الاكسجين وارتفاع في تركيز الغاز السام (أول اكسيد الكربون)، كل هذه التغيرات تم قياسها من القلب مباشرة بواسطة عملية القسطرة .
من المعروف أن التدخين يؤدي إلى زيادة تخثر الدم، وفي سهولة التجلط وإن هذا التجلط عندما يحدث في الشرايين التاجية التي تغذي عضلة القلب تحدث السكتة القلبية الحادة، والتي قد تؤدي للوفاة. وذلك لأن عضلة القلب لا تستطيع العيش بدون تدفق الدم إليها والذي يحمل إليها الاكسجين، وإن موت جزء من عضلة القلب، يؤدي إلى ضعف هذه العضلة إن لم يؤدي إلى وفاة المريض في الحال.
وإن خطر التدخين يصبح ظاهراً إذا علمنا أنه قد يتسبب في حدوث الجلطة التاجية المفاجئة، حتى عند أولئك الذين يحافظون على الغذاء السليم، ويتجنبون ارتفاع الكولسترول، وكذلك الذين يحافظون على الرياضة ولكنهم يواصلون التدخين. وبهذا يمكننا الاجابة على سؤالنا الأول باستنتاج واحد هو أن التدخين ضار للقلب .